: كيف تجمع المنصات الاجتماعية بياناتك وتستخدمها لتحديد اهتماماتك
في عالمنا المعاصر، حيث تتداخل التكنولوجيا مع كل تفاصيل حياتنا اليومية، أصبح من الصعب التمييز بين ما نختار أن نفعله وما يتم اختياره لنا. يبدو أن الشبكات الاجتماعية، وعلى رأسها فيسبوك، قد أصبحت أكثر من مجرد أدوات للتواصل؛ بل صارت مرآة رقمية تعكس أفكارنا، اهتماماتنا، بل وحتى رغباتنا المستقبلية. إن كان الإنسان قد عُرف بأنه “موجود” من خلال أفكاره وعقله، فإن فيسبوك اليوم يبدو وكأنه يمتلك قدرة غير مرئية على قراءة هذه الأفكار، وفتح نافذة للانغماس في أعماق ما يفكر فيه الأفراد دون أن يشعروا بذلك.
لكن هل يحق لتكنولوجيا مثل فيسبوك أن “تقرأ” ما نفكر فيه؟ وكيف يستطيع هذا الكائن الرقمي أن يتعرف على رغباتنا وتوجهاتنا قبل أن ندركها نحن أنفسنا؟ ، سنغوص في تلك الأعماق الرقمية لنعرف كيف يقوم فيسبوك بقراءة أفكارنا وتوجيه تجاربنا الشخصية في هذا العصر الرقمي المترابط.
قد يبدو الأمر غريبًا في البداية، لكن عندما ندرك أن كل خطوة نقوم بها على الإنترنت هي بيانات قابلة للتحليل والتفسير، سنكتشف أن ما يفعله فيسبوك ليس إلا امتدادًا لتلك الفكرة الفلسفية القديمة: “هل نعيش الحياة، أم أن الحياة هي من تعيشنا؟”
في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المنصات مثل فيسبوك ليست مجرد مكان للتواصل، بل هي محرك ضخم لجمع البيانات وتحليل سلوك المستخدمين. يبدو أن فيسبوك يعرف الكثير عنك؛ من اهتماماتك الشخصية إلى ميولك السياسية وحتى مشاعرك وأفكارك. لكن، كيف يحدث هذا بالضبط؟ كيف يقوم فيسبوك بمعرفة ماذا ومتي تريد؟ “بمعنى ادق كيف يقوم بقراءة أفكارك”؟
كيف يستخدم فيسبوك تقنيات متطورة لتحليل بياناتك الشخصية والمشاركة من أجل استنتاج ما تفضله، ما تحتاجه، وربما ما ستفكر فيه في المستقبل. وسنشرح كيف تجمع هذه المنصة هذه المعلومات، وكيف تستخدمها، وما هي الأساليب التي يعتمد عليها فيسبوك لتحقيق ذلك.
1. جمع البيانات من التفاعل مع المحتوى
كل مرة تقوم فيها بالتفاعل مع فيسبوك، سواء عبر إعجاب أو تعليق أو مشاركة أو حتى مشاهدة فيديو، يتم جمع هذه البيانات وتحليلها. هذا التفاعل يتيح لفيسبوك فهم اهتماماتك وسلوكك على مستوى دقيق للغاية.
كيف يقرأ فيسبوك اهتماماتك؟
- الإعجابات والمشاركات: عندما تضغط على زر “إعجاب” أو تشارك منشورًا، يراقب فيسبوك الموضوعات أو أنواع المحتوى التي تفضلها. إذا كنت مثلاً تشارك منشورات رياضية أو تتفاعل مع أخبار فنية، سيبدأ فيسبوك في تقديم محتوى مشابه يتعلق بالرياضة أو الفنون.
- التعليقات: تعليقاتك على المنشورات تعكس آرائك ومواقفك حول مواضيع معينة، مما يسمح لفيسبوك بتحديد اهتماماتك الشخصية. فإذا كنت تتفاعل كثيرًا مع منشورات سياسية أو دينية، فإنه سيبدأ في تقديم محتوى مشابه.
- مشاهدة الفيديوهات: فيسبوك يعرض لك مقاطع فيديو بناءً على الأشياء التي تشاهدها في الماضي. إذا كنت تشاهد الكثير من مقاطع الفيديو المتعلقة بالموسيقى أو السفر، فإن الخوارزميات ستتعلم هذا وتعرض لك المزيد من المحتوى المشابه.
2. تتبع سلوكك خارج فيسبوك: ملفات تعريف الارتباط وبيانات المواقع
فيسبوك لا يعتمد فقط على تفاعلاتك داخل المنصة؛ بل يقوم أيضًا بتتبع نشاطك على الإنترنت باستخدام ملفات تعريف الارتباط و التقنيات الأخرى. هذه الأنشطة تُجمع وتُستخدم لتحديد اهتماماتك وسلوكك عبر الإنترنت.
كيف يجمع فيسبوك بياناتك من المواقع الأخرى؟
- ملفات تعريف الارتباط (Cookies):
عندما تزور موقعًا ويب يحتوي على زر “إعجاب“ أو إطار إعلانات من فيسبوك، يقوم الموقع بتثبيت ملف تعريف الارتباط في متصفحك. هذه الملفات تُرسل بيانات حول سلوكك في التصفح إلى فيسبوك. بناءً على هذه المعلومات، يبدأ فيسبوك في بناء ملف شخصي عنك، يتضمن اهتماماتك والمواقع التي تزورها بانتظام. - التتبع عبر التطبيقات:
فيسبوك يمكنه أيضًا تتبع نشاطك عبر التطبيقات المتصلة. فمثلاً، إذا قمت بتسجيل الدخول إلى تطبيق خارجي باستخدام حساب فيسبوك، فإن البيانات التي يشاركها هذا التطبيق مع فيسبوك تُضاف إلى ملفك الشخصي.
3. تحليل البيانات باستخدام الخوارزميات المتقدمة
واحدة من أكبر أدوات فيسبوك لتحديد اهتمامات المستخدمين هي الخوارزميات المتقدمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. هذه الخوارزميات لا تقتصر فقط على البيانات التي تدخلها بشكل صريح مثل التعليقات والإعجابات، ولكنها أيضًا تستفيد من أنماط السلوك و العادات التي تظهرها في تصفحك.
كيف تستخدم الخوارزميات تقنيات الذكاء الاصطناعي؟
- تحليل النصوص:
الخوارزميات المتقدمة تقوم بتحليل كل كلمة تكتبها في التعليقات أو الرسائل أو المنشورات. هذه التحليلات يمكن أن تكشف عن نواياك، مشاعرك، و تفضيلاتك بشكل دقيق. على سبيل المثال، إذا كتبت تعليقًا حول موضوع معين أو استخدمت كلمات معينة (مثل “أحتاج إلى راحة” أو “أريد تغيير وظيفتي”)، يمكن أن يستنتج فيسبوك أنك ربما تفكر في الاسترخاء أو التغيير المهني. - أنماط السلوك:
فيسبوك يتتبع أيضًا الطريقة التي تتصفح بها المنصة. على سبيل المثال، كيف تنتقل بين المنشورات، كم من الوقت تقضي في قراءة موضوعات معينة، وأي المشاركات تقوم بالتمرير سريعًا من خلالها. هذه الأنماط تساعد فيسبوك على استنتاج اهتماماتك وتحسين ما يعرضه لك بناءً على ما تفعله بشكل غير مباشر. - الذكاء العاطفي:
فيسبوك لا يقتصر على دراسة اهتماماتك فقط، بل يدرس أيضًا حالتك العاطفية. فمثلاً، إذا قمت بالتفاعل مع منشورات حزينة أو كلمات مأساوية، قد يُظهر لك فيسبوك محتوى يحفز مشاعر معينة أو يعزز من الاهتمام بمحتوى مماثل.
4. الاستهداف الإعلاني: فيسبوك يعرّف رغباتك المستقبلية
واحدة من أكبر الطرق التي يمكن لفيسبوك “قراءة أفكارك” من خلالها هي الإعلانات الموجهة. يقوم فيسبوك بتقديم إعلانات مخصصة استنادًا إلى كل البيانات التي جمعها عنك. في بعض الأحيان قد تشعر أن فيسبوك يعلم عنك أكثر مما يجب، لكن هذا كله يعتمد على تحليل الأنماط والبيانات التي يوفرها لك التطبيق.
كيف يحدد فيسبوك الإعلانات المناسبة لك؟
- التوجهات المستقبلية:
فيسبوك ليس فقط يركز على اهتماماتك الحالية، بل يحاول أيضًا التنبؤ بما قد ترغب فيه في المستقبل. على سبيل المثال، إذا كنت قد تفاعلت مع محتوى حول منتجات التكنولوجيا أو اللياقة البدنية، قد تبدأ في رؤية إعلانات ذات صلة بذلك حتى إذا لم تكن قد قررت بعد شراء منتج. - تحليل السلوك الاجتماعي:
فيسبوك يقوم أيضًا بتتبع تفاعلاتك مع أصدقائك على المنصة، بما في ذلك المجموعات التي تنضم إليها والمواضيع التي تتحدث عنها معهم. هذا يمكن أن يساعد في التنبؤ بما قد تحتاجه أو تريده بناءً على الاهتمامات المشتركة مع أصدقائك أو أفراد العائلة.
5. التنبؤ بالأفكار والتوجهات الشخصية
يُعتبر فيسبوك من بين المنصات الأولى التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والـ تعلم الآلي بشكل متقدم لتحديد ما الذي ستحتاجه أو ترغب فيه مستقبلاً. بناءً على تفاعلاتك المستمرة مع المنصة، فيسبوك يستطيع التنبؤ بالأفكار التي قد تخطر على بالك، ومن ثم يضع أمامك المحتوى الذي يتناسب مع هذه التوجهات.
مثال حقيقي:
- الإعلانات المتعلقة بالصحة واللياقة البدنية:
إذا كنت تشارك منشورات عن رغبتك في فقدان الوزن أو تحسين لياقتك البدنية، سترى إعلانات متعلقة بالتغذية الصحية أو التمارين الرياضية. فيسبوك لا يقتصر على ما تفكر فيه اليوم فقط، بل يبدأ في استقراء احتمالات ما قد تحتاج إليه قريبًا بناءً على نشاطاتك السابقة.
6. الشفافية والخصوصية: ماذا يمكن أن نفعله؟
على الرغم من أن فيسبوك يقدم خدمات ذكية للغاية، إلا أن هناك قلقًا متزايدًا حول الخصوصية و كيفية استخدام البيانات. فقد شهدنا في السنوات الأخيرة العديد من الفضائح مثل فضيحة كامبريدج أناليتيكا التي سلطت الضوء على طريقة جمع واستخدام فيسبوك للبيانات.
كيف تحمي خصوصيتك؟
- إعدادات الخصوصية:
يمكنك تعديل إعدادات الخصوصية على فيسبوك لتحديد من يمكنه الوصول إلى معلوماتك. - إلغاء تتبع الإعلانات:
يمكنك تفعيل خيار إلغاء تتبع الإعلانات في إعدادات فيسبوك لتقليل كمية البيانات التي يتم جمعها عنك.
فيسبوك قادر على “قراءة أفكارك” بفضل قدرته على جمع البيانات، تحليل السلوكيات، واستخدام التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي. على الرغم من أن هذا قد يكون مفيدًا في تخصيص المحتوى والإعلانات بشكل يتناسب مع اهتماماتك، إلا أن هذا الجمع الواسع للبيانات يثير أيضًا مخاوف الخصوصية